فصل: كتاب الحج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


كِتَابُ الْحَجِّ

811 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

قال أبو محمد‏:‏ الْحَجُّ إلَى مَكَّةَ‏,‏ وَالْعُمْرَةُ إلَيْهَا فَرْضَانِ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ‏,‏ عَاقِلٍ‏,‏ بَالِغٍ‏,‏ ذَكَرٍ‏,‏ أَوْ أُنْثَى‏,‏ بِكْرٍ‏,‏ أَوْ ذَاتِ زَوْجٍ‏.‏

الْحُرُّ وَالْعَبْدُ‏,‏ وَالْحُرَّةُ وَالأَمَةُ‏,‏ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ‏,‏ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ إذَا وَجَدَ مَنْ ذَكَرْنَا إلَيْهَا سَبِيلاً‏,‏ وَهُمَا أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ إلاَّ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلاَّ بَعْدَ الإِسْلاَمِ‏,‏ وَلاَ يُتْرَكُونَ وَدُخُولَ الْحَرَمِ حَتَّى يُؤْمِنُوا‏.‏

أَمَّا قَوْلُنَا بِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْحُرِّ‏,‏ وَالْحُرَّةِ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ يَحُجُّ مَعَهَا مَرَّةً فِي الْعُمْرِ فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ‏,‏ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ‏,‏ لاَ زَوْجَ لَهَا، وَلاَ ذَا مَحْرَمٍ‏,‏ وَفِي الأَمَةِ وَالْعَبْدِ‏,‏ وَفِي الْعُمْرَةِ‏:‏ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏ فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ‏.‏

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ الْعُمْرَةُ لَيْسَتْ فَرْضًا وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْعُمْرَةِ أَفَرِيضَةٌ هِيَ قَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ‏.‏

وَبِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ كَالْحَجِّ قَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْن غَيْلاَنَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ مَنْ مَشَى إلَى صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ فَهِيَ كَحَجَّةٍ‏,‏ وَمَنْ مَشَى إلَى صَلاَةِ تَطَوُّعٍ فَهِيَ كَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ مَنْ مَشَى إلَى مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ‏,‏ وَمَنْ مَشَى إلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَاضِرِ بْن الْمُوَرِّعِ عَنْ الأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَابِرٍ الأَلْهَانِيِّ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ‏,‏ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ كِلاَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً ثُمَّ ثَبَتَ فِيهِ سُبْحَةَ الضُّحَى كَانَ كَأَجْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ حَدِيثًا فِيهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُوسَى‏,‏ عَنْ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ قَانِعٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْن بَحِيرٍ الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ، حدثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حدثنا ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ، حدثنا جَرِيرٌ وَأَبُو الأَحْوَصِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَرَوَى أَبُو دَاوُد، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالاَ حدثنا زَيْدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ أَمْ مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ‏:‏ بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَا زَادَ فَتَطَوُّعٌ قَالُوا‏:‏ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ إلاَّ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ‏,‏ فَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ لِدُخُولِهَا فِي الْحَجِّ‏,‏ وَقَالُوا‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ‏}‏ لاَ يُوجِبُ كَوْنَهَا فَرْضًا‏,‏ وَإِنَّمَا يُوجِبُ إتْمَامَهَا عَلَى مَنْ دَخَلَ فِيهَا لاَ ابْتِدَاءَهَا‏;‏ لَكِنْ كَمَا تَقُولُ‏:‏ أَتِمَّ الصَّلاَةَ التَّطَوُّعَ‏,‏ وَالصَّوْمَ التَّطَوُّعَ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ لَمَّا كَانَتْ الْعُمْرَةُ غَيْرَ مُرْتَبِطَةٍ بِوَقْتٍ وَجَبَ أَنْ لاَ تَكُونَ فَرْضًا‏:‏ وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ‏:‏ أَنَّهَا تَطَوُّعٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَكُلُّهُ بَاطِلٌ‏,‏ أَمَّا الأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرُوا فَمَكْذُوبَةٌ كُلُّهَا‏;‏ أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ سَاقِطٌ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ‏.‏

وَالطَّرِيقُ الآُخْرَى أَسْقَطُ وَأَوْهَنُ‏;‏ لأَِنَّهَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ الْعُمَرِيِّ الصَّغِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏

وأما حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَمَاهَانُ هَذَا ضَعِيفٌ كُوفِيٌّ‏.‏

وأما حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَحَدُ طُرُقِهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلاَنَ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مَكْحُولٌ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ شَيْئًا‏.‏

وَالآُخْرَى مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏

وَالثَّالِثَةُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُوَرِّعِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ الأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ سَاقِطٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَابِرٍ‏,‏ وَهُوَ مَجْهُولٌ‏;‏ وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ظَاهِرُ الْكَذِبِ‏;‏ لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ أَجْرُ الْعُمْرَةِ كَأَجْرِ مَنْ مَشَى إلَى صَلاَةِ تَطَوُّعٍ لَمَا كَانَ لِمَا تَكَلَّفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْقَصْدِ إلَى الْعُمْرَةِ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْمَدِينَةِ مَعْنًى‏,‏ وَلَكَانَ فَارِغًا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا‏.‏

وأما حَدِيثُ طَلْحَةَ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ‏,‏ وَقَدْ أَصْفَقَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِهِ‏,‏ وَهُوَ رَاوِي كُلِّ بَلِيَّةٍ وَكَذِبَةٍ‏;‏ ثُمَّ فِيهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ سندل وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏

وأما حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ وَيَكْفِي‏;‏ ثُمَّ هُوَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مَجْهُولِينَ فِي نَسَقٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمْ‏.‏

وأما حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَذِبٌ بَحْتٌ مِنْ بَلاَيَا عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا وَالنَّاسُ رَوَوْهُ مُرْسَلاً مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ فَزَادَ فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ‏,‏ وَأَوْهَمَ أَنَّهُ صَالِحٌ السَّمَّانُ فَسَقَطَتْ كُلُّهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ‏.‏

وَلَوْ شِئْنَا لَعَارَضْنَاهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ‏:‏ فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ وَلَكِنْ يُعِيذُنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ وَمَعَاذَ اللَّهِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ مِنْ أَنْ نَحْتَجَّ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً‏;‏ وَلَكِنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ إذَا رَوَى مَا يُوَافِقُهُمْ صَارَ ثِقَةً وَإِذَا رَوَى مَا يُخَالِفُهُمْ صَارَ ضَعِيفًا‏;‏ وَاَللَّهِ مَا هَذَا فِعْلُ مَنْ يُوقِنُ أَنَّهُ مُحَاسَبٌ بِكَلاَمِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا وَتَرَكَهُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ الْخَبَرِ‏.‏

وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَاجِبَتَانِ‏.‏

وَبِهِ نَصًّا إلَى سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ‏:‏ إنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّه وَهَذَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَوُجُوبِ الْحَجِّ‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ، حدثنا أَبُو قِلاَبَةَ، حدثنا الأَنْصَارِيُّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ مُسْلِمٌ إلاَّ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَلَوْ صَحَّ مَا رَوَوْا مِنْ الْكَذِبِ الْمُلَفَّقِ لَوَجَبَ عَلَى أُصُولِهِمْ الْخَبِيثَةِ الْمُفْتَرَاةِ إسْقَاطُ كُلِّ ذَلِكَ إذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ رَوَيَا تِلْكَ الأَخْبَارَ بِزَعْمِهِمْ قَدْ صَحَّ عنهما خِلاَفُهَا‏,‏ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ مُتَلاَعِبُونَ كَمَا تَرَوْنَ‏,‏ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ كُلُّهَا وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَصِحَّ الْبَاطِلُ وَالْكَذِبُ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ‏.‏

لِمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، حدثنا خَالِدُ، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، حدثنا شُعْبَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ سَالِمٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلاَ الْعُمْرَةَ، وَلاَ الظَّعْنَ قَالَ‏:‏ فَحِجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ‏.‏

فَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَدَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَمَّنْ لاَ يُطِيقُهُمَا‏;‏ فَهَذَا حُكْمٌ زَائِدٌ وَشَرْعٌ وَارِدٌ‏;‏ وَكَانَتْ تَكُونُ تِلْكَ الأَحَادِيثُ مُوَافِقَةً لِمَعْهُودِ الأَصْلِ فَإِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ قَدْ كَانَا بِلاَ شَكٍّ تَطَوُّعًا لاَ فَرْضًا فَإِذَا أَمَرَ بِهِمَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ بَطَلَ كَوْنُهُمَا تَطَوُّعًا بِلاَ شَكٍّ وَصَارَا فَرْضَيْنِ‏,‏ فَمَنْ ادَّعَى بُطْلاَنَ هَذَا الْحُكْمِ وَعَوْدَةَ الْمَنْسُوخِ فَقَدْ كَذَبَ وَأَفِكَ وَافْتَرَى‏;‏ وَقَفَا مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ‏;‏ فَبَطَلَ كُلُّ خَبَرٍ مَكْذُوبٍ مَوَّهُوا بِهِ لَوْ صَحَّ فَكَيْف وَكُلُّهَا بَاطِلٌ وأما قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ إنَّ إخْبَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِدُخُولِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ‏,‏ وَبِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ إلاَّ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا فَهَذَيَانٌ لاَ يُعْقَلُ‏;‏ بَلْ هَذَا بُرْهَانٌ وَاضِحٌ فِي كَوْنِ الْعُمْرَةِ فَرْضًا‏;‏ لأَِنَّهُ عليه السلام أَخْبَرَ بِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ، وَلاَ يَشُكُّ ذُو عَقْلٍ فِي أَنَّهَا لَمْ تَصِرْ حَجَّةً‏;‏ فَوَجَبَ أَنَّ دُخُولَهَا فِي الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ فَقَطْ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ يُجْزَى لَهُمَا عَمَلٌ وَاحِدٌ فِي الْقِرَانِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ دُخُولُهَا فِي أَنَّهَا فَرْضٌ كَالْحَجِّ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ جَاءَ أَنَّهَا الْحَجُّ الأَصْغَرُ قلنا لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ حُجَّةً لَنَا‏;‏ لأَِنَّ الْقِرَانَ قَدْ جَاءَ بِإِيجَابِ الْحَجِّ فَكَانَتْ حِينَئِذٍ تَكُونُ فَرْضًا بِنَصِّ قوله تعالى ‏{‏وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏ لَكِنَّا لاَ نَسْتَحِلُّ التَّمْوِيهَ بِمَا لاَ يَصِحُّ‏,‏ مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرُوا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏;‏ لأَِنَّ رَاوِيَهُ أَبُو سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ وَقَدْ قَالَ فِيهِ عُقَيْلٌ‏:‏ سِنَانٌ هُوَ مَجْهُولٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ‏,‏ وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّهُمْ كَذَبُوا فِيهِ وَحَرَّفُوهُ وَأَوْهَمُوا أَنَّ فِيهِ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ إلاَّ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ لَيْسَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ أَصْلاً وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الْحَجَّ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا لاَ يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ‏:‏ إمَّا مَعَ الْحَجِّ مَقْرُونَةٌ‏,‏ وأما مَعَهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ‏;‏ فَصَارَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ‏.‏

وأما قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِإِتْمَامِهَا مَنْ دَخَلَ فِيهَا لاَ بِابْتِدَائِهَا‏,‏ وَأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَرَأَ‏:‏ وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ بِالرَّفْعِ فَقَوْلٌ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏;‏ لأَِنَّهَا دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ لاَ يَقْتَضِي مَا قَالُوا وَإِنَّمَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمَجِيءِ بِهِمَا تَامَّيْنِ وَحَتَّى لَوْ صَحَّ مَا قَالُوهُ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ‏;‏ لأَِنَّهُ إذَا كَانَ الدَّاخِلُ فِيهَا مَأْمُورًا بِإِتْمَامِهَا فَقَدْ صَارَتْ فَرْضًا مَأْمُورًا بِهِ‏;‏ وَهَذَا قَوْلُنَا لاَ قَوْلُهُمْ الْفَاسِدُ الْمُتَخَاذِلُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ‏.‏

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ وَاَللَّهِ إنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ فَابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى هَذَا النَّصَّ مُوجِبًا لِكَوْنِهَا فَرْضًا كَالْحَجِّ بِخِلاَفِ كَيْسِ هَؤُلاَءِ الْحُذَّاقِ بِاللُّغَةِ بِالضِّدِّ‏,‏ وَبِهَذَا احْتَجَّ مَسْرُوقٌ‏,‏ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ‏,‏ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ‏,‏ وَنَافِعٌ فِي إيجَابِهَا‏;‏ وَمَسْرُوقٌ‏;‏ وَسَعِيدٌ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ أَنْتُمْ تَقُولُونَ‏:‏ بِهَذَا فِي الْحَجِّ التَّطَوُّعِ‏,‏ وَالْعُمْرَةِ التَّطَوُّعِ قلنا‏:‏ لاَ بَلْ هُمَا تَطَوُّعٌ غَيْرُ لاَزِمٍ جُمْلَةً إنْ تَمَادَى فِيهِمَا أُجِرَ‏,‏ وَإِلاَّ فَلاَ حَرَجَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ هَذَا لَكَانَ الْحَجُّ يَتَكَرَّرُ فَرْضُهُ مَرَّاتٍ‏,‏ وَهَذَا خِلاَفُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ إلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ‏:‏ بِإِتْمَامِ النَّذْرِ‏,‏ وَإِتْمَامِ قَضَاءِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِيهِ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏;‏ لأَِنَّ كُلَّ ذَلِكَ صَارَ فَرْضًا زَائِدًا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ وَأَمْرِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّمَا الْحَجُّ فَرْضٌ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى مَنْ لَمْ يَنْذِرْهُ لاَ عَلَى مَنْ نَذَرَهُ‏;‏ بَلْ هُوَ عَلَى مَنْ نَذَرَهُ فَرْضٌ آخَرُ لاَ نَضْرِبُ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْضَهَا بِبَعْضٍ بَلْ نَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَنَأْخُذُ بِجَمِيعِهَا‏.‏

وأما الْقِرَاءَةُ وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ بِالرَّفْعِ فَقِرَاءَةٌ مُنْكَرَةٌ لاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا‏,‏ وَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَهُمْ يَلْجَئُونَ إلَى تَبْدِيلِ الْقُرْآنِ فَيَحْتَجُّونَ بِهِ وأما قَوْلُهُمْ‏:‏ لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَكَانَتْ مُرْتَبِطَةً بِوَقْتٍ فَكَلاَمٌ سَخِيفٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلاَ إجْمَاعٌ، وَلاَ قِيَاسٌ يُعْقَلُ‏,‏ وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرْضٌ وَلَوْ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ وَلَيْسَتْ مُرْتَبِطَةً بِوَقْتٍ‏,‏ وَأَنَّ النَّذْرَ فَرْضٌ وَلَيْسَ مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ‏,‏ وَأَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ فَرْضٌ وَلَيْسَ مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ‏,‏ وَالإِحْرَامُ لِلْحَجِّ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ‏,‏ فَظَهَرَ هَوَسُ مَا يَأْتُونَ بِهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ فِيمَنْ يَعْتَمِرُ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ‏:‏ نُسُكَانِ لِلَّهِ عَلَيْك لاَ يَضُرُّك بِأَيِّهِمَا بَدَأَتْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحَدٌ إلاَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلاً وَمَنْ زَادَ بَعْدَهُمَا شَيْئًا فَهُوَ خَيْرٌ وَتَطَوُّعٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ أُمِرْتُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلاَةِ‏,‏ وَالْعُمْرَةِ إلَى الْبَيْتِ‏;‏ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ جَابِرٍ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَتْ عَلَيْكُمْ الْعُمْرَةَ‏.‏

وَعَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ كَانُوا لاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فَرِيضَةٌ‏,‏ وَابْنُ سِيرِينَ أَدْرَكَ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرَ التَّابِعِينَ‏.‏

وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏,‏ وَمَعْمَرٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ قُلْت لِعَطَاءٍ‏:‏ الْعُمْرَةُ عَلَيْنَا فَرِيضَةٌ كَالْحَجِّ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

وَعَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ‏,‏ وَابْنِ سِيرِينَ جَمِيعًا الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ وَعَنْ طَاوُسٍ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ‏.‏

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ‏;‏ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ إنَّ فُلاَنًا يَقُولُ‏:‏ لَيْسَتْ وَاجِبَةً‏,‏ فَقَالَ‏:‏ كَذَبَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مَسْرُوقًا يَقُولُ أُمِرْتُمْ فِي الْقُرْآنِ بِإِقَامَةِ أَرْبَعٍ‏:‏ الصَّلاَةُ‏,‏ وَالزَّكَاةُ‏,‏ وَالْحَجُّ‏,‏ وَالْعُمْرَةُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ‏:‏ وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ يَقُولُ‏:‏ الْعُمْرَةُ الْحَجُّ الأَصْغَرُ‏.‏

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّمَا كُتِبَتْ عَلَيَّ عُمْرَةٌ‏,‏ وَحَجَّةٌ‏.‏

وَعَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ‏;‏ وَعَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ الْعُمْرَةُ الْحَجَّةُ الصُّغْرَى‏,‏ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ فَقَالَ‏:‏ مَا نَعْلَمُهَا إلاَّ وَاجِبَةً وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏.‏

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّرَّاجِ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ‏,‏ وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ فَقَرَأَ جَمِيعًا‏:‏ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، حدثنا مُغِيرَةُ، هُوَ ابْنُ مَقْسَمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْعُمْرَةِ‏:‏ هِيَ وَاجِبَةٌ وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ‏:‏ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيِّ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَحْمَدَ‏,‏ وَإِسْحَاقَ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏,‏ وَمَالِكٌ‏:‏ لَيْسَتْ فَرْضًا‏,‏ وَالْقَوْمُ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ‏,‏ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ‏,‏ وَابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ‏,‏ وَابْنَ عَبَّاسٍ‏,‏ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ‏,‏ وَابْنَ مَسْعُودٍ‏,‏ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ‏,‏ وَلاَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفٌ لَهُمْ فِي هَذَا إلاَّ رِوَايَةً سَاقِطَةً مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ‏:‏ الْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ‏,‏ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ خِلاَفُ هَذَا كَمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَعَهْدُنَا بِهِمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الْجُمْهُورِ‏,‏ وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا عَطَاءً‏,‏ وَطَاوُسًا‏,‏ وَمُجَاهِدًا‏,‏ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ‏,‏ وَالْحَسَنَ‏,‏ وَابْنَ سِيرِينَ‏,‏ وَمَسْرُوقًا‏,‏ وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ‏,‏ وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَهُشَامَ بْنَ عُرْوَةَ‏,‏ وَالْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ‏,‏ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ‏,‏ وَالشَّعْبِيَّ‏,‏ وَقَتَادَةَ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ‏:‏ لَيْسَتْ وَاجِبَةً سَلَفًا‏,‏ مِنْ التَّابِعِينَ إلاَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَحْدَهُ‏;‏ وَرِوَايَةٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهَا كَمَا ذَكَرْنَا وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثَيْنِ هُمَا مِنْ أَعْظَمِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ الْخَبَرُ الثَّابِتُ فِي الَّذِي سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الإِسْلاَمِ فَأَخْبَرَهُ بِالصَّلاَةِ‏,‏ وَالزَّكَاةِ‏,‏ وَالصِّيَامِ‏,‏ وَالْحَجِّ‏;‏ فَقَالَ‏:‏ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ‏:‏ لاَ إلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ فَذَكَرَ شَهَادَةَ التَّوْحِيدِ‏,‏ وَالصَّلاَةَ‏,‏ وَالزَّكَاةَ‏,‏ وَالصِّيَامَ‏,‏ وَالْحَجَّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهُمَا أَقْوَى‏,‏ حُجَجِنَا عَلَيْهِمْ لِصِحَّةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَصَحَّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِوُجُوبِ الْحَجِّ‏,‏ وَأَنَّ فَرْضَهَا دَخَلَ فِي فَرْضِ الْحَجِّ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوُرُودُ الْقُرْآنِ بِهَا شَرْعًا زَائِدًا وَفَرْضًا وَارِدًا مُضَافًا إلَى سَائِرِ الشَّرَائِعِ الْمَذْكُورَةِ‏;‏ وَكُلُّهُمْ يَرَى النَّذْرَ فَرْضًا‏,‏ وَالْجِهَادَ إذَا نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ فَرْضًا‏;‏ وَغُسْلَ الْجَنَابَةِ فَرْضًا‏,‏ وَالْوُضُوءَ فَرْضًا‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَمْ يَرَوْا الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ حُجَّةً فِي سُقُوطِ فَرْضِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا‏,‏ فَوَضَحَ تَنَاقُضُهُمْ وَفَسَادُ مَذْهَبِهِمْ فِي ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

812 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وأما حَجُّ الْعَبْدِ‏,‏ وَالأَمَةِ‏,‏ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكًا‏,‏ وَالشَّافِعِيَّ قَالُوا‏:‏ لاَ حَجَّ عَلَيْهِ فَإِنْ حَجَّ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ مِنْ حَجَّةِ الإِسْلاَمِ‏.‏

وقال أحمد بْنِ حَنْبَلٍ‏:‏ إذَا عَتَقَ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَتْهُ تِلْكَ الْحَجَّةُ‏;‏ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا‏:‏ عَلَيْهِ الْحَجُّ كَالْحُرِّ‏,‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ جَابِرٍ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ قَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ مَا مِنْ مُسْلِمٍ‏,‏ وَقَالَ الآخَرُ‏:‏ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلاَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ‏;‏ فَقَطَعَا وَعَمَّا وَلَمْ يَخُصَّا إنْسِيًّا مِنْ جِنِّيٍّ‏,‏ وَلاَ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ‏,‏ وَلاَ حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ‏,‏ وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا تَخْصِيصَ الْحُرِّ‏,‏ وَالْحُرَّةِ‏;‏ فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمَا، وَلاَ أَقَلَّ حَيَاءً مِمَّنْ يَجْعَلُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ فَرْضِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ فَرْضِهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَلاَ يَجْعَلُ قَوْلَهُ‏:‏ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلاَّ عَلَيْهِ‏:‏ حَجَّةٌ‏,‏ وَعُمْرَةٌ‏:‏ حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْعَبْدِ‏.‏

فإن قيل‏:‏ لَعَلَّهُمَا أَرَادَا إلاَّ الْعَبْدَ قِيلَ‏:‏ هَذَا هُوَ الْكَذِبُ بِعَيْنِهِ أَنْ يُرِيدَا إلاَّ الْعَبْدَ ثُمَّ لاَ يُبَيِّنَانِهِ‏;‏ وَأَيْضًا‏:‏ فَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا إلاَّ الْمُقْعَدَ‏,‏ وَإِلاَّ الأَعْمَى‏,‏ وَإِلاَّ الأَعْوَرَ‏,‏ وَإِلاَّ بَنِي تَمِيمٍ‏,‏ وَإِلاَّ أَهْلَ إفْرِيقِيَةَ‏,‏ وَهَذَا حَقٌّ لاَ خَفَاءَ بِهِ، وَلاَ يَصِحُّ مَعَ هَذِهِ الدَّعْوَى قَوْلَةٌ لأَِحَدٍ أَبَدًا‏.‏

وَلَعَلَّ كُلَّ مَا أَخَذُوا بِهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ‏;‏ وَلَكِنَّهُمْ أَرَادُوا تَخْصِيصًا لَمْ يُبَيِّنُوهُ وَهَذِهِ طَرِيقُ السُّوفُسْطَائِيَّة نَفْسِهَا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ مَا لَمْ يَقُلْ إلاَّ بِبَيَانٍ وَارِدٍ مُتَيَقَّنٍ يُنْبِئُ بِأَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرُوا هَاهُنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا‏}‏، ‏{‏وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ‏}‏، وَ ‏{‏مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ‏}‏‏.‏

وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏;‏ لأَِنَّهَا إنَّمَا دَمَّرَتْ بِنَصِّ الآيَةِ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَدَمَّرَتْ مَا أَمَرَهَا رَبُّهَا بِتَدْمِيرِهِ لاَ مَا لَمْ يَأْمُرْهَا‏.‏

وَمَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ‏;‏ فَإِنَّمَا جَعَلَتْ كَالرَّمِيمِ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ لاَ مَا لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ بِنَصِّ الآيَةِ‏.‏

وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ‏:‏ لاَ يَقْتَضِي إلاَّ بَعْضَ الأَشْيَاءِ‏;‏ لأَِنَّ ‏"‏ مِنْ ‏"‏ لِلتَّبْعِيضِ‏,‏ فَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَدْ آتَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ‏;‏ لأَِنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ الْعَالَمُ كُلُّهُ‏;‏ فَمَنْ أُوتِيَ شَيْئًا فَقَدْ أُوتِيَ مِنْ الْعَالَمِ كُلِّهِ وَهَذَا بَيِّنٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَكَتَبَ إلَيَّ أَبُو الْمَرْجِيِّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِرٍّ الْمَصْرِيُّ قَالَ‏:‏ حدثنا أَبُو الْحَسَنِ الرَّحَبِيُّ حدثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَاتِبُ، حدثنا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ المغلس، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حدثنا أَبِي، حدثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ الْعُكْلِيُّ، حدثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ‏,‏ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ الْعَبْدِ إذَا حَجَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَقَالاَ جَمِيعًا‏:‏ تُجْزِئُ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الإِسْلاَمِ فَإِذَا حَجَّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ تُجْزِهِ‏;‏ وَبِهِ إلَى زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ إذَا حَجَّ الْعَبْدُ وَهُوَ مُخَلًّى فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّةُ الإِسْلاَمِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ لِلْعَبْدِ حَجًّا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ شَيْخًا يُحَدِّثُ أَبَا إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ ثُمَّ مَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ‏,‏ وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ ثُمَّ مَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ عَتَقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا مُرْسَلٌ‏,‏ وَعَنْ شَيْخٍ لاَ يُدْرَى اسْمُهُ، وَلاَ مَنْ هُوَ‏.‏

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ خِرْزَادٍ الأَنْطَاكِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرِ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ لَمْ يَبْلُغْ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى‏,‏ وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا خَبَرٌ رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ خَرَّزَاذٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ شُعْبَةَ‏,‏ وَمَنْ هُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ عَنْ شُعْبَةَ فَأَوْقَفَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَأَسْنَدَهُ الآخَرُ بِزِيَادَةٍ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ نُبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ‏,‏ قَالَ ابْنُ الْمِنْهَالِ

حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا شُعْبَةُ‏,‏ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ

حدثنا شُعْبَةُ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أُمِّ ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ‏:‏ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ إذَا حَجَّ الصَّبِيُّ لَهُ فَهِيَ حَجَّةُ صَبِيٍّ حَتَّى يَعْقِلَ‏,‏ فَإِذَا عَقَلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى‏,‏ وَإِذَا حَجَّ الأَعْرَابِيُّ فَهِيَ لَهُ حَجَّةُ أَعْرَابِيٍّ‏,‏ فَإِذَا هَاجَرَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى‏.‏

وَأَوْقَفَهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ وَأَوْقَفَهُ أَيْضًا‏:‏ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ‏.‏

وَأَوْقَفَهُ أَيْضًا‏:‏ أَبُو السَّفَرِ‏,‏ وَعُبَيْدٌ صَاحِبُ الْحُلَى‏,‏ وَقَتَادَةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

وَقَالَ أبو محمد‏:‏ إنْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً فِي أَنْ لاَ يُجْزِئَ الْعَبْدَ حَجُّهُ فَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنْ لاَ يُجْزِئَ الأَعْرَابِيَّ حَجُّهُ، وَلاَ فَرْقَ‏;‏ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّابِتُ عَنْهُ كَمَا أَوْرَدْنَا‏.‏

وَكَذَلِكَ أَيْضًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي إعَادَةِ الْحَجِّ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا احْتَلَمَ‏,‏ وَعَلَى الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ‏,‏ وَعَلَى الأَعْرَابِيِّ إذَا هَاجَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ‏.‏

كَمَا رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ‏:‏ الصَّبِيُّ إنْ حَجَّ‏,‏ وَالْمَمْلُوكُ إنْ حَجَّ‏,‏ وَالأَعْرَابِيُّ إنْ حَجَّ‏,‏ ثُمَّ هَاجَرَ الأَعْرَابِيُّ‏,‏ وَاحْتَلَمَ الصَّبِيُّ‏,‏ وَعَتَقَ الْعَبْدُ فَعَلَيْهِمْ الْحَجُّ‏.‏

وَقَالَ عَطَاءٌ‏:‏ أَمَّا الأَعْرَابِيُّ فَيُجْزِئُهُ حَجُّهُ‏,‏ وأما الصَّبِيُّ‏,‏ وَالْمَمْلُوكُ فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ‏.‏

وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ‏:‏ لاَ يُجْزِئُ الْعَبْدَ حَجُّهُ إذَا أُعْتِقَ‏,‏ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى‏,‏ وأما الأَعْرَابِيُّ فَيُجْزِئْهُ حَجُّهُ‏.‏

وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا مِثْلَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ‏,‏ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ‏,‏ وَطَاوُسٍ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ التَّابِعِينَ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ‏,‏ وَلاَ عَنْ الصَّحَابَةِ غَيْرَ مَا أَوْرَدْنَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ يَدَّعِي الإِجْمَاعَ فِي هَذَا وَلَيْسَ مَعَهُ فِيهِ إلاَّ خَمْسَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ‏,‏ أَحَدُهُمْ مُخْتَلَفٌ عَنْهُ فِي ذَلِكَ‏,‏ وَقَدْ رُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا عَنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ‏,‏ وَعَنْ اثْنَيْنِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلَّ قَوْلٍ جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏,‏ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ فَلَمْ يَجْعَلُوا مَا رُوِيَ عَنْ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ فِي أَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إلاَّ عَنْ وَاحِدٍ بِاخْتِلاَفٍ فَلَمْ يَجْعَلُوهُ إجْمَاعًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ تَخْلُو رِوَايَةُ عُثْمَانَ بْنِ خَرَّزَاذٍ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ مِنْ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً أَوْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فَقَدْ كُفِينَا الْمُؤْنَةُ فِيهَا‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً وَهُوَ الأَظْهَرُ فِيهَا‏;‏ لأَِنَّ رُوَاتَهَا ثِقَاتٌ فَإِنَّهُ خَبَرٌ مَنْسُوخٌ بِلاَ‏.‏

شَكٍّ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ بِلاَ شَكٍّ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ‏;‏ لأَِنَّ فِيهِ إعَادَةُ الْحَجِّ عَلَى مَنْ حَجَّ مِنْ الأَعْرَابِ قَبْلَ هِجْرَتِهِ‏,‏ وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حدثنا أُبَيٌّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَ‏:‏ لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ فَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا‏.‏

وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ، حدثنا يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ قَالاَ جَمِيعًا أَنَا جَرِيرُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لاَ هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ إذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ عَنْ مُجَاشِعٍ‏,‏ وَمُجَالِدٍ‏:‏ ابْنَيْ مَسْعُودٍ السِّلْمِيَّيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذْ قَدْ صَحَّ بِلاَ شَكٍّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ فَقَدْ نَسَخَهُ مَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ

حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حدثنا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا‏,‏ فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا فَقَالَ عليه السلام‏:‏ لَوْ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ‏,‏ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ‏,‏ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ‏,‏ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏,‏ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كَانَ هَذَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَصَارَ عُمُومًا لِكُلِّ حُرٍّ‏,‏ وَعَبْدٍ‏,‏ وَأَعْرَابِيٍّ‏,‏ وَعَجَمِيٍّ وَبِلاَ شَكٍّ، وَلاَ مِرْيَةٍ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ كَانَ غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِالْحَجِّ فِي صَدْرِ الإِسْلاَمِ، وَلاَ الْحُرُّ أَيْضًا‏;‏ فَكَانَ خَبَرُ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ فِي أَنَّ عَلَيْهِ وَعَلَى الأَعْرَابِيِّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ‏,‏ وَهَاجَرَ الأَعْرَابِيُّ‏,‏ مُوَافِقًا لِلْحَالَةِ الآُولَى وَبَقِيَا عَلَى أَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ كَمَا كَانَا‏,‏ وَجَاءَ هَذَا الْخَبَرُ فَدَخَلَ فِي نَصِّهِ فِي الْخِطَابِ بِالْحَجِّ‏:‏ الْعَبْدُ‏,‏ وَالأَعْرَابِيُّ‏;‏ لأَِنَّهُمَا مِنْ النَّاسِ فَكَانَ بِلاَ شَكٍّ نَاسِخًا لِلْحَالَةِ الآُولَى وَمُدْخِلاً لَهُمَا فِي الْخِطَابِ بِالْحَجِّ ضَرُورَةً، وَلاَ بُدَّ‏.‏

وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ قَدْ احْتَجَّ فَقَالَ‏:‏ حَجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَزْوَاجِهِ‏,‏ وَلَمْ يَحُجَّ بِأُمِّ وَلَدِهِ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَهَذِهِ كِذْبَةٌ شَنِيعَةٌ لاَ نَجِدُهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ أَبَدًا وَإِنَّ التَّسَهُّلَ فِي مِثْلِ هَذَا لَعَظِيمٌ جِدًّا‏:‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ عَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِي النَّفْيِ فِي الزِّنَا‏,‏ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ السُّنَنِ مِثْلَ‏:‏ لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ، وَلاَ الرَّضْعَتَانِ‏,‏ وَفِي خَبَرِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏,‏ هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ‏,‏ وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ‏,‏ وَهَذَا خِلاَفُ مَا فِي الْقُرْآنِ‏,‏ وَكَذَبُوا فِي كُلِّ ذَلِكَ‏,‏ ثُمَّ لَمْ يَقُولُوا فِي هَذَا الْخَبَرِ‏:‏ هَذَا تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ‏,‏ وَهَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ‏,‏ وَهَذَا خِلاَفٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ‏.‏

وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَرُدُّونَ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ بِدَعْوَى الاِضْطِرَابِ‏:‏ كَخَبَرِ الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ‏,‏ وَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏,‏ وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ‏;‏ ثُمَّ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي لاَ نَعْلَمُ خَبَرًا أَشَدَّ اضْطِرَابًا مِنْهُ‏.‏

وَهُمْ يَتْرُكُونَ السُّنَنَ لِلْقِيَاسِ‏:‏ كَخَبَرِ الْمُصَرَّاةِ‏,‏ وَخَبَرِ الْقُرْعَةِ فِي السِّتَّةِ الأَعْبُدِ‏,‏ وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ‏;‏ لأَِنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْعَبْدَ مُخَاطَبٌ بِالإِسْلاَمِ وَبِالصَّلاَةِ‏,‏ وَالصِّيَامِ‏,‏ فَمَا الَّذِي مَنَعَ مِنْ أَنْ يُخَاطَبَ بِالْحَجِّ‏,‏ وَالْعُمْرَةِ‏;‏ ثُمَّ يَقُولُونَ‏:‏ الْعَبْدُ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ فَإِذَا حَضَرَهَا صَارَ مِنْ أَهْلِهَا وَأَجْزَأَتْهُ‏,‏ فَهُمْ قَالُوا هَاهُنَا‏:‏ إنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ إذَا حَضَرَهُ صَارَ مِنْ أَهْلِهِ وَأَجْزَأَهُ وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ‏:‏ مَنْ نَوَى تَطَوُّعًا بِحَجِّهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْفَرْضِ‏,‏ وَأَقَلُّ حَالِ حَجِّ الْعَبْدِ‏:‏ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا فَهَلاَّ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمْ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ هُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ قلنا‏:‏ قَدْ جَمَعْتُمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ الْكَذِبَ وَخِلاَفَ الْقُرْآنِ إذْ لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا مِنْ حُرٍّ‏,‏ وَالتَّنَاقُضَ‏;‏ لأَِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِهِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّفَ، وَلاَ يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ، وَلاَ شَيْءٌ مِنْ جَزَاءِ صَيْدٍ، وَلاَ فِدْيَةِ أَذًى، وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا لاَ يَلْزَمُ الْحَائِضُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ‏,‏ إذْ لَيْسَتْ مُخَاطَبَةً بِهِ‏,‏ وَكَالصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الْحَجِّ فَإِنْ فَعَلَهُمَا أَوْ فَعَلَ بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ وَكَانَ لَهُ حَجٌّ لِلأَثَرِ فِي ذَلِكَ لاَ لِغَيْرِهِ‏.‏

فَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ وَقَوْلَ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ وَالْقِيَاسُ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَالْخَبَرُ الَّذِي بِهِ احْتَجُّوا‏;‏ لأَِنَّهُمْ خَالَفُوا مَا فِيهِ مِنْ حُكْمِ الأَعْرَابِيِّ فِي الْحَجِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

813 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وأما الْمَرْأَةُ الَّتِي لاَ زَوْجَ لَهَا، وَلاَ ذَا مَحْرَمٍ يَحُجُّ مَعَهَا فَإِنَّهَا تَحُجُّ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا‏;‏ فَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مَعَهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَحُجُّ هِيَ دُونَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ‏,‏ وَطَاوُسٍ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ‏,‏ وَالْحَسَنِ‏:‏ لاَ تَحُجَّ الْمَرْأَةُ إلاَّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَسُفْيَانَ‏:‏ إنْ كَانَتْ مِنْ مَكَّةَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ لَيَالٍ ثَلاَثٍ فَلَهَا أَنْ تَحُجَّ مَعَ غَيْرِ زَوْجٍ‏,‏ وَغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ثَلاَثٍ فَصَاعِدًا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحُجَّ إلاَّ مَعَ زَوْجٍ‏,‏ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ رِجَالِهَا‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ لاَ تُسَافِرْ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى‏:‏ أَنَّ عِكْرِمَةَ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَحُجُّ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ فَقَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلاَثٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ تَحُجُّ فِي رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ، وَلاَ كَانَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ يُونُسَ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الْمَرْأَةُ لاَ تُسَافِرُ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ لَيْسَ كُلُّ النِّسَاءِ تَجِدُ مَحْرَمًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَوْلَيَاتٌ لَهُ لَيْسَ مَعَهُنَّ مَحْرَمٌ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ‏,‏ وَقَتَادَةَ‏,‏ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏,‏ وَمَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّحْدِيدِ الَّذِي ذُكِرَ فَلاَ نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ‏.‏

وَلاَ مِنْ التَّابِعِينَ رضي الله عنهم‏;‏ بَلْ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ‏,‏ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ‏,‏ وَيَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا ذَكَرْنَا‏;‏ وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَحْسَنِ مُرْسَلٍ يُمْكِنُ وُجُودُ مِثْلِهِ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏,‏ وَقَدْ خَالَفَهُمَا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا فَوَجَدْنَا أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْتَجُّونَ لِقَوْلِهِمْ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لاَ تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلاَثًا إلاَّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ قَدْ رُوِيَ أَيْضًا ‏"‏ لَيْلَتَيْنِ ‏"‏ وَرُوِيَ ‏"‏ يَوْمًا وَلَيْلَةً ‏"‏ وَرُوِيَ ‏"‏ يَوْمًا ‏"‏ وَرُوِيَ ‏"‏ بَرِيدًا ‏"‏ قَالُوا‏:‏ وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ تَحْرِيمِ سَفَرِهَا ثَلاَثًا وَعَلَى شَكٍّ مِنْ تَحْرِيمِ سَفَرِهَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ‏;‏ لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذِكْرُ الثَّلاَثِ مُتَقَدِّمًا وَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا فَالثَّلاَثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا سَفَرُهَا إلاَّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ فَنَأْخُذُ مَا لاَ شَكَّ فِيهِ وَنَدْعُ مَا فِيهِ الشَّكُّ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا أَصْلاً‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ لِوَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ صَوَابُ الْعَمَلِ مَا ذَكَرُوا‏;‏ لأَِنَّهُ إنْ كَانَ خَبَرُ الثَّلاَثِ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا فَلَيْسَ فِيهِ إنْ تَقَدَّمَ إبْطَالٌ لِحُكْمِ النَّهْيِ عَنْ سَفَرِهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ لَكِنَّهُ بَعْضُ مَا فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ‏,‏ وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ زَائِدَةٌ عَلَيْهِ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ أَصْلاً‏;‏ بَلْ كُلُّ تِلْكَ الأَخْبَارِ حَقٌّ وَكُلُّهَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهَا وَلَيْسَ بَعْضُهَا مُخَالِفًا لِبَعْضٍ أَصْلاً‏.‏

وَيُقَالُ لَهُمْ‏:‏ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ جَامِعٌ لِكُلِّ سَفَرٍ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ تَحْرِيمِ كُلِّ سَفَرٍ عَلَيْهَا إلاَّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ‏,‏ ثُمَّ لاَ نَدْرِي أَبَطَلَ هَذَا الْحُكْمُ أَمْ لاَ فَنَأْخُذُ بِالْيَقِينِ وَنُلْغِي الشَّكَّ‏;‏ فَهَذَا مُعَارِضٌ لاِحْتِجَاجِهِمْ مَعَ مَا قَدَّمْنَا‏.‏

وَيُقَالُ لَهُمْ‏:‏ عَهْدُنَا بِكُمْ تَذُمُّونَ الأَخْبَارَ بِالاِضْطِرَابِ‏,‏ وَهَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ‏,‏ وَأَبُو هُرَيْرَةَ‏,‏ وَابْنُ عُمَرَ‏,‏ وَابْنُ عَبَّاسٍ‏,‏ فَلَمْ يَضْطَرِبْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصْلاً وَاضْطَرَبَ عَنْ سَائِرِهِمْ‏:‏ فَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ لاَ تُسَافِرْ ثَلاَثًا‏;‏ وَرُوِيَ عَنْهُ‏:‏ لاَ تُسَافِرْ فَوْقَ ثَلاَثٍ‏;‏ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ‏:‏ لاَ تُسَافِرْ فَوْقَ ثَلاَثٍ‏;‏ وَرُوِيَ عَنْهُ لاَ تُسَافِرْ يَوْمَيْنِ‏;‏ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ لاَ تُسَافِرْ ثَلاَثًا‏;‏ وَرُوِيَ عَنْهُ‏:‏ لاَ تُسَافِرْ فَوْقَ ثَلاَثٍ‏;‏ وَرُوِيَ عَنْهُ‏:‏ لاَ تُسَافِرْ يَوْمًا وَلَيْلَةً‏;‏ وَرُوِيَ عَنْهُ‏:‏ لاَ تُسَافِرْ يَوْمًا‏;‏ وَرُوِيَ عَنْهُ‏:‏ لاَ تُسَافِرْ بَرِيدًا‏;‏ فَعَلَى أَصْلِكُمْ دَعُوا رِوَايَةَ مَنْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ وَاضْطَرَبَ عَنْهُ إذْ لَيْسَ بَعْضُ مَا رُوِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ مَا رُوِيَ عَنْهُ‏;‏ وَخُذُوا بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ، وَلاَ اضْطَرَبَ عَنْهُ، وَ، هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏;‏ فَهَذَا أَشْبَهُ مِنْ اسْتِدْلاَلِكُمْ‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَأَبِي سَعِيدٍ‏,‏ وَأَبِي هُرَيْرَةَ‏,‏ كَمَا ذَكَرْنَا لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلاَثٍ‏;‏ فَإِنْ صَحَّحْتُمْ اسْتِدْلاَلَكُمْ الْفَاسِدَ بِأَخْذِ أَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الأَخْبَارِ فَامْنَعُوهَا مِمَّا زَادَ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلاَثٍ‏;‏ لأَِنَّهُ الْيَقِينُ وَأَبِيحُوا لَهَا سَفَرَ الثَّلاَثِ‏;‏ لأَِنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ كَمَا سَفَرُ الْيَوْمَيْنِ‏,‏ وَالْيَوْمِ‏,‏ وَالْبَرِيدِ مَشْكُوكٌ فِيهِ عِنْدَكُمْ‏;‏ وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ‏;‏ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا هَاهُنَا فَمَا هَذَا يُنْكَرُ مِنْ إقْدَامِهِمْ‏,‏ وَأَكْذَبَهُمْ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ لاَ تُسَافِرْ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلاَثٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلاَ سِيَّمَا، وَابْنُ عُمَرَ هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ‏.‏

وَأَكْذَبَهُمْ أَيْضًا مَا رُوِّينَا عَنْ عِكْرِمَةَ آنِفًا مِنْ مَنْعِهِ إيَّاهَا مَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ لاَ مَا دُونَ ذَلِكَ‏.‏

وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي امْرَأَةٍ لاَ تَجِدُ مَعَاشًا أَصْلاً إلاَّ عَلَى ثَلاَثٍ فَصَاعِدًا‏;‏ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِلاَ زَوْجٍ، وَلاَ ذِي مَحْرَمٍ‏.‏

وَيَقُولُونَ فِيمَنْ حَفَّزَتْهَا فِتْنَةٌ وَخَشِيَتْ عَلَى‏,‏ نَفْسِهَا غَلَبَةَ الْكُفَّارِ‏,‏ وَالْمُحَارِبِينَ‏,‏ أَوْ الْفُسَّاقِ وَلَمْ تَجِدْ أَمْنًا إلاَّ عَلَى ثَلاَثٍ فَصَاعِدًا أَنَّهَا تَخْرُجُ مَعَ غَيْرِ زَوْجٍ وَمَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ‏,‏ وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا كَوُجُوبِ خَلاَصِ رُوحِهَا‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ الزَّوْجُ وَالْمَحْرَمُ مِنْ السَّبِيلِ قلنا‏:‏ عَلَيْكُمْ الدَّلِيلُ وَإِلاَّ فَهِيَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ لَمْ يَعْجِزْ عَنْ مِثْلِهَا أَحَدٌ‏,‏ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ الْفَاسِدُ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

ثُمَّ نَظَرَنَا فِي قَوْلِ عِكْرِمَةَ وَاحْتِجَاجِهِ بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ سَائِرَ الأَخْبَارِ وَرَدَتْ بِالْمَنْعِ‏,‏ مِمَّا دُونَ الثَّلاَثِ‏;‏ فَلَيْسَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ نَهْيُهَا عَنْ أَنْ تُسَافِرَ ثَلاَثًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ بِأَوْلَى مِنْ سَائِرِ الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا مَنْعُهَا مِنْ سَفَرِ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا وَلَمْ يَبْقَ إلاَّ قَوْلُنَا‏,‏ أَوْ قَوْلُ النَّخَعِيِّ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ‏,‏ وَطَاوُسٍ‏,‏ وَالْحَسَنِ فِي مَنْعِهَا جُمْلَةً أَوْ إطْلاَقِهَا جُمْلَةً‏;‏ فَوَجَدْنَا الْمَانِعِينَ يَحْتَجُّونَ بِالأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا‏,‏ وَهِيَ أَخْبَارٌ صِحَاحٌ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا إلاَّ لِنَصٍّ آخَرَ يُبَيِّنُ حُكْمَهَا إنْ وُجِدَ‏.‏

فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حدثنا أُبَيٌّ‏,‏ وَابْنُ إدْرِيسَ قَالاَ

حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏)‏‏)‏، وَلاَ تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ‏.‏

وَبِهِ إلَى ابْنِ نُمَيْرٍ، حدثنا أُبَيٌّ، حدثنا حَنْظَلَةُ، هُوَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَالِمًا، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ فَأَمَرَ عليه السلام الأَزْوَاجَ وَغَيْرَهُمْ أَنْ لاَ يَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْمَسَاجِدِ‏;‏ وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَجَلُّ الْمَسَاجِدِ قَدْرًا‏.‏

وَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏ ثُمَّ وَجَدْنَا الأَسْفَارَ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ سَفَرًا وَاجِبًا‏,‏ وَسَفَرًا غَيْرَ وَاجِبٍ‏;‏ فَكَانَ السَّفَرُ الْوَاجِبُ بَعْضَ الأَسْفَارِ بِلاَ شَكٍّ‏,‏ وَكَانَ الْحَجُّ مِنْ السَّفَرِ الْوَاجِبِ‏;‏ فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ بَعْضِ الآثَارِ دُونَ بَعْضٍ وَوَجَبَتْ الطَّاعَةُ لِجَمِيعِهَا وَلَزِمَ اسْتِعْمَالُهَا كُلُّهَا، وَلاَ بُدَّ‏:‏ فَهَذَا هُوَ الْفَرْضُ‏,‏ وَكَانَ مَنْ رَفَضَ بَعْضَهَا وَأَخَذَ بَعْضَهَا عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ إلَى اسْتِعْمَالِ جَمِيعِهَا إلاَّ بِأَنْ يُسْتَثْنَى الأَخَصُّ مِنْهَا مِنْ الأَعَمِّ‏,‏ وَلاَ بُدَّ‏;‏ فَكَانَ نَهْيُ الْمَرْأَةِ عَنْ السَّفَرِ إلاَّ مَعَ زَوْجٍ‏,‏ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ عَامًّا لِكُلِّ سَفَرٍ‏;‏ فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ مِنْ إيجَابِ بَعْضِ الأَسْفَارِ عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ‏,‏ وَالْحَجُّ سَفَرٌ وَاجِبٌ فَوَجَبَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ بَلْ إيجَابُ الْحَجِّ عَلَى النِّسَاءِ عُمُومٌ فَيُخَصُّ ذَلِكَ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ السَّفَرِ إلاَّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ قلنا‏:‏ هَذَا خَطَأٌ‏;‏ لأَِنَّ تِلْكَ الأَخْبَارَ إنَّمَا جَاءَتْ بِالنَّهْيِ عَنْ كُلِّ سَفَرٍ جُمْلَةً لاَ عَنْ الْحَجِّ خَاصَّةً‏,‏ وَإِنَّمَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَارِضُوا بِهَذَا أَنْ لَوْ جَاءَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ أَنْ تَحُجَّ الْمَرْأَةُ إلاَّ مَعَ زَوْجٍ‏,‏ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ‏;‏ فَكَانَ يَكُونُ حِينَئِذٍ اعْتِرَاضًا صَحِيحًا وَتَخْصِيصًا لاَِقَلِّ الْحُكْمَيْنِ مِنْ أَعَمِّهِمَا وَهَذَا بَيِّنٌ جِدًّا وَبُرْهَانٌ آخَرُ‏:‏ وَهُوَ أَنَّ تِلْكَ الأَخْبَارَ كُلَّهَا إنَّمَا خُوطِبَ بِهَا ذَوَاتُ الأَزْوَاجِ‏,‏ وَاَللاَّتِي لَهُنَّ الْمَحَارِمُ‏;‏ لأَِنَّ فِيهَا إبَاحَةَ الْحَجِّ أَوْ إيجَابَهُ مَعَ الزَّوْجِ‏,‏ أَوْ ذِي الْمَحْرَمِ بِلاَ شَكٍّ‏;‏ وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَصْلاً أَنْ يُخَاطِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ مَنْ لاَ زَوْجَ لَهَا، وَلاَ ذَا مَحْرَمٍ‏,‏ فَبَقِيَ مَنْ لاَ زَوْجَ لَهَا، وَلاَ مَحْرَمَ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا وَعَلَى خُرُوجِهَا عَنْ ذَلِكَ النَّهْيِ‏.‏

وَبُرْهَانٌ آخَرُ‏:‏ وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ قَالَ

حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ‏,‏ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كِلاَهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ‏:‏ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ‏,‏ وَلاَ تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏,‏ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتَتَبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ‏:‏ انْطَلِقْ فَاحْجُجْ مَعَ امْرَأَتِكَ فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ رَافِعًا لِلإِشْكَالِ وَمُبَيِّنًا لِمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ‏,‏ لأَِنَّ نَهْيَهُ عليه السلام عَنْ أَنْ تُسَافِرَ امْرَأَةٌ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَقَعَ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَتِهِ الَّتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً لاَ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏,‏ وَلاَ مَعَ زَوْجٍ فَأَمَرَهُ عليه السلام بِأَنْ يَنْطَلِقَ فَيَحُجَّ مَعَهَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّهَا، وَلاَ عَابَ سَفَرَهَا إلَى الْحَجِّ دُونَهُ وَدُونَ ذِي مَحْرَمٍ‏,‏ وَفِي أَمْرِهِ عليه السلام بِأَنْ يَنْطَلِقَ فَيَحُجَّ مَعَهَا بَيَانٌ صَحِيحٌ وَنَصٌّ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُمْكِنًا إدْرَاكُهَا بِلاَ شَكٍّ فَأَقَرَّ عليه السلام سَفَرَهَا كَمَا خَرَجْتُ فِيهِ‏,‏ وَأَثْبَتَهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ‏;‏ فَصَارَ الْفَرْضُ عَلَى الزَّوْجِ‏;‏ فَإِنْ حَجَّ مَعَهَا فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ صُحْبَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهَا التَّمَادِي فِي حَجِّهَا وَالْخُرُوجُ إلَيْهِ دُونَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ دُونَ ذِي مَحْرَمٍ أَوْ مَعَهُ كَمَا أَقَرَّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهَا‏,‏ فَارْتَفَعَ الشَّغَبُ جُمْلَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَمَّا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ‏,‏ أَوْ أَبُو مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أَيْنَ نَزَلْتَ قَالَ‏:‏ عَلَى فُلاَنَةَ‏,‏ قَالَ‏:‏ أَغْلَقْتَ عَلَيْهَا بَابَكَ مَرَّتَيْنِ لاَ تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ‏:‏ وأما ابْنُ عُيَيْنَةَ فَأَخْبَرَنَاهُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ قلنا‏:‏ هَذَا خَبَرٌ لَمْ يَحْفَظْهُ ابْنُ جُرَيْحٍ لأَِنَّهُ شَكَّ فِيهِ أَحَدَّثَهُ بِهِ عَمْرٌو عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلاً أَمْ حَدَّثَهُ بِهِ عَمْرٌو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مُسْنَدًا فَلَمْ يُثْبِتْهُ أَصْلاً‏;‏ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ وَإِنَّمَا صَوَابُهُ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ‏,‏ وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا لَيْسَ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ‏.‏

وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ كَمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ لاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏,‏ وَلاَ يَدْخُلَنَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ إلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ‏;‏ فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ نَذَرْتُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ قَالَ‏:‏ فَاخْرُجْ مَعَهَا فَلَمْ يَقُلْ عليه السلام‏:‏ لاَ تَخْرُجْ إلَى الْحَجِّ إلاَّ مَعَكَ، وَلاَ نَهَاهَا عَنْ الْحَجِّ أَصْلاً‏,‏ بَلْ أَلْزَمَ الزَّوْجَ تَرْكَ نَذْرِهِ فِي الْجِهَادِ وَأَلْزَمَهُ الْحَجَّ مَعَهَا‏;‏ فَالْفَرْضُ فِي ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ لاَ عَلَيْهَا‏.‏

وأما حَدِيثُ عِكْرِمَةَ فَمُرْسَلٌ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ نُبَاتٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ، حدثنا عِيسَى بْنُ خَبِيبٍ قَاضِي أُشُونَةَ قَالَ

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي، حدثنا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ سَفَرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَزَلْتَ عَلَى فُلاَنَةَ فَأَغْلَقْتَ عَلَيْهَا بَابَكَ مَرَّتَيْنِ‏.‏

فَهَذَا هُوَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ اخْتَلَطَ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ فَلَمْ يَدْرِ أَحَدَّثَهُ بِهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَمْ حَدَّثَهُ بِهِ عَمْرٌو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَدْخَلَ فِيهِ ذِكْرَ الْحَجِّ بِالشَّكِّ، وَلاَ تَثْبُتُ الْحُجَّةُ بِخَبَرٍ مَشْكُوكٍ فِي إسْنَادِهِ أَوْ فِي إرْسَالِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ إنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ فَلاَِنَّ طَاعَتَهُ فَرْضٌ عَلَيْهَا فِيمَا لاَ مَعْصِيَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ‏,‏ وَلَيْسَ فِي تَرْكِ الْحَجِّ التَّطَوُّعِ مَعْصِيَةٌ ‏.‏

814 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

فَإِنْ أَحْرَمَتْ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ مَكَان يَجُوزُ الإِحْرَامُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا‏,‏ وَأَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ‏;‏ فَإِنْ كَانَ حَجَّ تَطَوُّعٍ كُلُّ ذَلِكَ فَلَهُ مَنْعُهُمَا وَإِحْلاَلُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ حَجَّ الْفَرْضِ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ لاَ غِنَى بِهِ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ لِمَرَضٍ أَوْ لِضَيْعَتِهِ دُونَهُ أَوْ دُونَهَا أَوْ ضَيْعَةِ مَالِهِ فَلَهُ إحْلاَلُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ وَإِنْ كَانَ لاَ حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُمَا أَصْلاً فَإِنْ مَنَعَهُمَا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمَا فِي حُكْمِ الْمُحْصَرِ‏;‏ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الاِبْنِ وَالاِبْنَةِ مَعَ الأَبِ وَالآُمِّ، وَلاَ فَرْقَ‏;‏ وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ مُتَقَدِّمَةٌ لِطَاعَةِ الأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجِ‏;‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ‏.‏

وَقَالَ عليه السلام‏:‏ فَإِذَا أُمِرْتَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ، وَلاَ طَاعَةَ وَتَرْكُ الْحَجِّ مَعْصِيَةٌ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ طَاعَةِ الأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجِ فِي تَرْكِ الْحَجِّ وَبَيْنَ طَاعَتِهِمْ فِي تَرْكِ الصَّلاَةِ أَوْ فِي تَرْكِ الزَّكَاةِ أَوْ فِي تَرْكِ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ‏.‏

فإن قيل‏:‏ الْحَجُّ فِي تَأْخِيرِهِ فُسْحَةٌ قلنا‏:‏ إلَى مَتَى أَفَرَأَيْت إنْ لَمْ يُبِيحُوا الْحَجَّ لِلأَوْلاَدِ أَوْ الزَّوْجَةِ أَبَدًا فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَانُوا مُتَحَكِّمِينَ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ وَشَارِعِينَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ يَقُولُ أَحَدٌ بِطَاعَتِهِمْ فِي تَرْكِ الْحَجِّ أَبَدًا جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي امْرَأَةٍ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا‏,‏ أَنَّهَا مُحْرِمَةٌ قَالَ الْحَكَمُ‏:‏ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ‏.‏

815 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَاسْتِطَاعَةُ السَّبِيلِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْحَجُّ إمَّا صِحَّةُ الْجِسْمِ وَالطَّاقَةُ عَلَى الْمَشْيِ وَالتَّكَسُّبُ مِنْ عَمَلٍ أَوْ تِجَارَةٍ مَا يَبْلُغُ بِهِ إلَى الْحَجِّ وَيَرْجِعُ إلَى مَوْضِعِ عَيْشِهِ أَوْ أَهْلِهِ‏,‏ وأما مَالٌ يُمَكِّنُهُ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ أَوْ الْبَرِّ وَالْعَيْشِ مِنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ مَكَّةَ وَيَرُدَّهُ إلَى مَوْضِعِ عَيْشِهِ أَوْ أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحَ الْجِسْمِ إلاَّ أَنَّهُ لاَ مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ بَرًّا أَوْ بَحْرًا‏;‏ وأما أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يُطِيعُهُ فَيَحُجَّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرَ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إنْ كَانَ هُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى النُّهُوضِ لاَ رَاكِبًا، وَلاَ رَاجِلاً‏;‏ فَأَيُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَمْكَنَتْ الإِنْسَانَ الْمُسْلِمَ الْعَاقِلَ الْبَالِغَ فَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ‏,‏ وَمَنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِهَا فَلاَ حَجَّ عَلَيْهِ، وَلاَ عُمْرَةَ‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ الاِسْتِطَاعَةُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ‏.‏

وقال مالك‏:‏ الاِسْتِطَاعَةُ قُوَّةُ الْجِسْمِ أَوْ الْقُوَّةُ بِالْمَالِ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ‏,‏ وَلَمْ يَرَ وُجُودَ مَنْ يُطِيعُهُ اسْتِطَاعَةً، وَلاَ أَوْجَبَ بِذَلِكَ حَجًّا‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُقْعَدَ مِنْ رِجْلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَاسِعٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلاَ حَجَّ عَلَيْهِ‏,‏ وَكَذَلِكَ الأَعْمَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ وَعَلَى الأَعْمَى‏.‏

وَرَأَى الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَنَّ الاِسْتِطَاعَةَ إنَّمَا هِيَ بِمَالٍ يَحُجُّ بِهِ أَوْ مَنْ يُطِيعُهُ فَيَحُجُّ عَنْهُ فَقَطْ‏,‏ وَلَمْ يَرَ قُوَّةَ الْجِسْمِ وَالْقُدْرَةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ اسْتِطَاعَةً‏;‏ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ‏:‏ الاِسْتِطَاعَةُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ بِآثَارٍ رُوِّينَاهَا‏:‏ مِنْهَا‏:‏ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الاِسْتِطَاعَةِ فَقَالَ‏:‏ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ فَقِيلَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الْحَجُّ قَالَ‏:‏ الأَشْعَثُ التَّفِلُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ‏:‏ أَنَا قَتَادَةُ‏,‏ وَحُمَيْدٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ إلَيْهِ قَالَ‏:‏ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، حدثنا هِلاَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيِّ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمْ يَحُجَّ فَلاَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا‏,‏ أَوْ نَصْرَانِيًّا‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏ عَلِمْنَا أَنَّهَا اسْتِطَاعَةٌ غَيْرُ الْقُوَّةِ بِالْجِسْمِ‏;‏ إذْ لَوْ كَانَ تَعَالَى أَرَادَ قُوَّةَ الْجِسْمِ لَمَا احْتَاجَ إلَى ذِكْرِهَا‏;‏ لاَِنَّنَا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ‏}‏ فَصَحَّ أَنَّ الرِّحْلَةَ شِقُّ الأَنْفُسِ بِالضَّرُورَةِ، وَلاَ يُكَلِّفُنَا اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏‏.‏

وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ فِي اسْتِطَاعَةِ السَّبِيلِ إلَى الْحَجِّ‏:‏ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا‏:‏ زَادٌ‏,‏ وَبَعِيرٌ‏:‏ وَمِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً قَالَ‏:‏ زَادٌ‏,‏ وَرَاحِلَةٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً قَالَ‏:‏ مِلْءُ بَطْنِهِ‏,‏ وَرَاحِلَةٌ يَرْكَبُهَا وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ‏,‏ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ‏,‏ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَادَّعَوْا فِي هَذَا أَنَّهُ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا أَصْلاً‏;‏ لاَِنَّنَا قَدْ رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏ مَنْ مَلَكَ ثَلاَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَحَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الإِمَاءِ ‏"‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏,‏ فِي الْحَجِّ‏:‏ سَبِيلُهُ مَنْ وَجَدَ لَهُ سِعَةً‏,‏ وَلَمْ يُحَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ‏:‏ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً قَالَ‏:‏ عَلَى قَدْرِ الْقُوَّةِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الاِسْتِطَاعَةَ لَوْ كَانَتْ عَلَى الْعُمُومِ لَمَا كَانَ لِذِكْرِهَا مَعْنًى فَكَلاَمٌ فَاسِدٌ‏,‏ وَاعْتِرَاضٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى‏,‏ وَإِخْرَاجٌ لِلْقُرْآنِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِلاَ بُرْهَانٍ‏.‏

ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ‏;‏ لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَ الْحَجَّ عَلَى مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُهُ بِجِسْمِهِ‏,‏ وَلاَ بِمَالِهِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏;‏ فَكَانَ ذَلِكَ دَاخِلاً فِي الاِسْتِطَاعَةِ بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وأما قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ الرِّحْلَةَ مِنْ شِقِّ الأَنْفُسِ وَالْحَرَجِ‏,‏ وَاَللَّهُ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ ذَلِكَ عِبَادَهُ‏,‏ فَصَحِيحٌ وَلَمْ نَقُلْ نَحْنُ‏:‏ إنَّ مَنْ كَانَتْ الرِّحْلَةُ تَشُقُّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ فِيهَا حَرَجٌ أَنَّ الْحَجَّ يَلْزَمُهُ‏:‏ بَلْ الْحَجُّ عَمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ سَاقِطٌ كَمَا قَالُوا‏;‏ وَإِنَّمَا قلنا‏:‏ إنَّ مَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ وَهُوَ لَوْ كَانَتْ لَهُ فِي دُنْيَاهُ حَاجَةٌ لاَسْتَسْهَلَ الْمَشْيَ إلَيْهَا فَالْحَجُّ يَلْزَمُهُ‏;‏ لأَِنَّهُ مُسْتَطِيعٌ وأما الأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرُوا‏:‏ فَإِنَّ فِي أَحَدِهَا‏:‏ إبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ وَهُوَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ‏;‏ وَفِي الثَّانِي‏:‏ الْحَارِثُ الأَعْوَرُ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ‏,‏ وَحَدِيثُ الْحَسَنِ مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَالْعَجَبُ مِنْ مَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ‏;‏ فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ‏:‏ الْمُرْسَلُ‏,‏ وَالْمُسْنَدُ سَوَاءٌ لاَ سِيَّمَا مُرْسَلُ الْحَسَنِ فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا أَنَّهُ كَانَ لاَ يُرْسِلُ الْحَدِيثَ إلاَّ إذَا حَدَّثَهُ بِهِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَصَاعِدًا‏;‏ ثُمَّ خَالَفُوا هَاهُنَا أَحْسَنَ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ‏;‏ وَالشَّافِعِيُّونَ لاَ يَقُولُونَ‏:‏ إلاَّ بِالْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ وَأَخَذُوا هَاهُنَا بِالسَّاقِطِ‏,‏ وَالْمُرْسَلِ‏.‏

وأما الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَوَاهِيَةٌ كُلُّهَا‏;‏ لأَِنَّهَا إمَّا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ مُرْسَلَةٌ‏,‏ وأما مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ‏,‏ وأما مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ‏,‏ وَأَحْسَنُهَا الرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُوَافِقَةُ لِقَوْلِنَا‏,‏ وأما الرِّوَايَةُ الآُخْرَى عَنْهُ فِي الثَّلاَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ‏,‏ إلاَّ أَنَّ هَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ‏.‏

وَالْحَنَفِيُّونَ يُبْطِلُونَ السُّنَنَ الصِّحَاحَ‏:‏ كَنَفْيِ الزَّانِي‏,‏ وَحَدِيثِ لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ‏,‏ وَحَدِيثِ رَضَاعِ سَالِمٍ‏,‏ وَغَيْرِهَا‏;‏ لِزَعْمِهِمْ‏:‏ أَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ‏,‏ أَوْ مُخَالِفَةٌ لَهُ‏,‏ وَأَخَذُوا هَاهُنَا بِأَخْبَارٍ سَاقِطَةٍ لاَ يَحِلُّ الأَخْذُ بِهَا مُخَصِّصَةٌ لِلْقُرْآنِ مُخَالِفَةٌ لَهُ‏,‏ ثُمَّ خَالَفُوهَا مَعَ ذَلِكَ فِي تَخْصِيصِهِمْ الْمُقْعَدِ‏.‏

وَأَطْرَفُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ فِي تَخْصِيصِ الْمُقْعَدِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ، وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ، وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ‏}‏ وَهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الأَعْرَجَ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إذَا وَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَقَدَرَ عَلَى الرُّكُوبِ‏,‏ وَكَذَلِكَ الأَعْمَى‏;‏ فَخَالَفُوا مَا فِي الآيَةِ وَحَكَمُوا بِهَا فِيمَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَلَمَّا بَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَجَبَ طَلَبُ الْبُرْهَانِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏ فَكَانَ هَذَا عُمُومًا لِكُلِّ اسْتِطَاعَةٍ بِمَالٍ أَوْ جِسْمٍ هَذَا الَّذِي يُوجِبُهُ لَفْظُ الآيَةِ ضَرُورَةً‏,‏ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخَصَّ مِنْ ذَلِكَ مُقْعَدٌ، وَلاَ أَعْمَى، وَلاَ أَعْرَجُ إذَا كَانُوا مُسْتَطِيعِينَ الرُّكُوبَ وَمَعَهُمْ سِعَةٌ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْحَرَجِ الَّذِي أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى عنهم‏;‏ لأَِنَّهُ لاَ حَرَجَ فِيهِ عَلَيْهِمْ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ هَذِهِ الآيَةَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ‏,‏ وَهُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الشَّدِّ وَالتَّحَفُّظِ وَالْجَرْيِ‏,‏ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَجٌ ظَاهِرٌ عَلَى الأَعْرَجِ وَالأَعْمَى‏;‏ وأما الْحَجُّ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً‏.‏

وَبَقِيَ مَنْ لاَ مَالَ لَهُ، وَلاَ قُوَّةَ جِسْمٍ إلاَّ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِلاَ أُجْرَةٍ أَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا‏;‏ فَوَجَدْنَا اللُّغَةَ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَبِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا أَلْزَمَنَا إيَّاهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا فِي أَنَّهُ يُقَالُ‏:‏ الْخَلِيفَةُ مُسْتَطِيعٌ لِفَتْحِ بَلَدِ كَذَا‏,‏ وَلِنَصْبِ الْمَنْجَنِيقِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مُثْبَتًا لأَِنَّهُ مُسْتَطِيعٌ لِذَلِكَ بِأَمْرِهِ وَطَاعَةِ النَّاسِ لَهُ‏,‏ وَكَانَ ذَلِكَ دَاخِلاً فِي نَصِّ الآيَةِ‏.‏

وَوَجَدْنَا مِنْ السُّنَنِ‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ وَهُوَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ حُجِّي عَنْهُ‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ * أَنَّ الْخَثْعَمِيَّةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ‏:‏ كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ إنْ حَزَمَهَا خَشِيَ أَنْ يَقْتُلَهَا وَإِنْ لَمْ يَحْزِمْهَا لَمْ تَسْتَمْسِكْ فَأَمَرَهُ عليه السلام أَنْ يَحُجَّ عَنْهَا

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حدثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ النُّعْمَانِ، هُوَ ابْنُ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَالظَّعْنَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ‏.‏

رُوِّينَاهُ أَيْضًا‏:‏ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذِهِ أَخْبَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏:‏ الْفَضْلُ‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ‏,‏ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ‏,‏ وَأَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ‏.‏

وَيَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورُ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ التُّسْتَرِيُّ بَصْرِيٌّ كَانَ يَنْزِلُ بِأَهْلِهِ عِنْدَ مَقْبَرَةِ بَنِي سَهْمٍ مَاتَ سَنَةَ 161 هـ إحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ‏,‏ وَقِيلَ‏:‏ بَلْ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ 162 هـ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ‏,‏ وَثَّقَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ‏,‏ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ‏,‏ وَابْنُ مَعِينٍ‏,‏ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ‏,‏ وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ‏,‏ وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ هُوَ يَزِيدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ قَتَادَةَ‏,‏ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ‏.‏

فَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَطُّ صَحِيحًا فَإِنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ لاَزِمَةٌ لَهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ‏;‏ لأَِنَّهُ عليه السلام سَمِعَ قَوْلَ الْمَرْأَةِ عَنْ أَبِيهَا‏:‏ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ تَعَالَى أَدْرَكَتْهُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الثَّبَاتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ‏,‏ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا‏,‏ وَلاَ عَلَى أَبِي رَزِينٍ مِثْلَ ذَلِكَ فِي أَبِيهِ‏;‏ فَصَحَّ أَنَّ الْفَرْضَ بَاقٍ عَلَى هَذَيْنِ إذَا وَجَدَا مَنْ يَحُجُّ عنهما‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ إنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ وَهَذَا خَطَأٌ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ رَاحِلَةٌ‏,‏ وَلاَ فِي حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَيْضًا‏;‏ فَهَذِهِ زِيَادَةٌ فَاسِدَةٌ‏.‏

فإن قيل‏:‏ إنَّمَا جَاءَتْ هَذِهِ الأَحَادِيثُ فِي شَيْخٍ كَبِيرٍ‏,‏ وَعَجُوزٍ كَبِيرَةٍ‏,‏ فَمِنْ أَيْنَ تَعَدَّيْتُمْ مَا فِيهَا إلَى كُلِّ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَرَكَةَ بِزَمَانَةٍ‏,‏ أَوْ مَرَضٍ وَلَمْ يَكُنْ شَيْخًا كَبِيرًا قلنا‏:‏ لَيْسَ كُلُّ شَيْخٍ كَبِيرٍ تَكُونُ هَذِهِ صِفَتَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَنْ غَلَبَهُ الضَّعْفُ‏,‏ فَإِنَّمَا أَمَرَ عليه السلام بِذَلِكَ فِيمَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ ثَبَاتًا عَلَى الدَّابَّةِ وَلَيْسَ لِلشَّيْخِ هُنَالِكَ مَعْنًى أَصْلاً‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْخِ حَدٌّ مَحْدُودٌ إذَا بَلَغَهُ الْمَرْءُ سُمِّيَ‏:‏ شَيْخًا‏,‏ وَلَمْ يُسَمَّ‏:‏ شَيْخًا‏,‏ حَتَّى يَبْلُغَهُ‏;‏ وَدِينُ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يُتَسَامَحُ فِيهِ، وَلاَ يُؤْخَذُ بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ الْمُفْتَرَاةِ الْمَشْرُوعِ بِهَا مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى‏,‏ وَلَوْ كَانَ لِلشَّيْخِ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ لَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّهُ الَّذِي بِهِ يَنْتَقِلُ حُكْمُهُ إلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ كَمَا أَثْبَتَ ذَلِكَ فِيمَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الثَّبَاتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ‏,‏ وَلاَ الْمَشْيَ إلَى الْحَجِّ‏;‏ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْخِ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ أَصْلاً‏,‏ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ لِلْعَجْزِ عَنْ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَكَانَ هَذَا اسْتِطَاعَةً لِلسَّبِيلِ مُضَافَةً إلَى الْقُوَّةِ بِالْجِسْمِ وَبِالْمَالِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَتَعَلَّلَ قَوْمٌ فِي هَذِهِ الآثَارِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَأَحُجُّ عَنْ أَبِي قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ إنْ لَمْ تَزِدْهُ خَيْرًا لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ لاَ فَرْضٌ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏;‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَيِّتًا‏,‏ وَلاَ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ، وَلاَ أَنَّهُ كَانَ حَجَّ الْفَرِيضَةِ‏;‏ بَلْ إنَّمَا هُوَ سُؤَالٌ مُطْلَقٌ عَنْ الْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ‏,‏ أَوْ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ‏;‏ فَأَجَابَهُ عليه السلام بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ‏;‏ وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ جَوَازُ الْحَجِّ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلاَ مَزِيدَ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُنَا‏.‏

وأما تِلْكَ الأَحَادِيثُ فَفِيهَا بَيَانٌ أَنَّهَا فِي الْحَجِّ الْفَرْضِ‏;‏ وَأَيْضًا‏:‏ فَلَيْسَ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ إنْ لَمْ تَزِدْهُ خَيْرًا لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا بِمُخْرِجٍ لِذَلِكَ عَنْ الْفَرْضِ إلَى التَّطَوُّعِ‏;‏ لأَِنَّ هَذِهِ صِفَةُ كُلِّ عَمَلٍ مُفْتَرَضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ إنْ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْمَرْءِ فَإِنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لاَ يُكْتَبُ لَهُ بِهِ سَيِّئَةٌ‏;‏ فَبَطَلَ اعْتِرَاضُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَقَالُوا‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى‏}‏‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ هَذِهِ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ بِلاَ خِلاَفٍ‏,‏ وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ كَانَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ لَمْ يَجْعَلْ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ وَجَعَلَ لَهُمْ مَا سَعَى فِيهِ غَيْرُهُمْ عنهم بِهَذِهِ النُّصُوصِ الثَّابِتَةِ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ إذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى لَزِمَ ذَلِكَ‏,‏ وَكَانَ مَخْصُوصًا مِنْ هَذِهِ الآيَةِ‏;‏ وَقَدْ أَجْمَعُوا مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَمْ تَقْتُلْ وَأَنَّهَا تَغْرَمُ عَنْ الْقَاتِلِ‏,‏ وَلَمْ يَعْتَرِضُوا عَلَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الآيَةِ‏,‏ وَلَيْسَ هُوَ إجْمَاعًا‏;‏ فَإِنَّ عُثْمَانَ الْبَتِّيَّ لاَ يَرَى حُكْمَ الْعَاقِلَةِ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ الَّذِي أَتَانَا بِهَذَا هُوَ الَّذِي افْتَرَضَ أَنْ يُحَجَّ عَنْ الْعَاجِزِ‏,‏ وَالْمَيِّتِ‏,‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ‏}‏ وَهُمْ يُجِيزُونَ الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ‏,‏ وَالصَّدَقَةَ عَنْ الْحَيِّ‏,‏ وَالْمَيِّتِ‏,‏ وَالْعِتْقَ عنهما أَوْصَيَا بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِيَا‏,‏ وَلاَ يَعْتَرِضُونَ فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الآيَةِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَمَّا أَوْصَى بِالْحَجِّ كَانَ مِمَّا سَعَى قلنا لَهُمْ‏:‏ فَأَوْجِبُوا بِذَلِكَ أَنْ يُصَامَ عَنْهُ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ‏;‏ لأَِنَّهُ مِمَّا سَعَى‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ عَمَلُ الأَبَدَانِ لاَ يَعْمَلُهُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَقُلْنَا‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ‏,‏ وَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا بَلْ كُلُّ عَمَلٍ إذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِ أَنْ يَعْمَلَهُ الْمَرْءُ عَنْ غَيْرِهِ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الْمُعَانِدِ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِيَاسًا عَلَى الصَّلاَةِ قلنا‏:‏ الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا عَلَيْكُمْ لاَ لَكُمْ‏;‏ لاَِنَّكُمْ لاَ تَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَرْءُ الَّذِي يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ‏,‏ فَقَدْ جَوَّزْتُمْ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ سَائِرَ أَعْمَالِ الأَبَدَانِ وَقَالُوا‏:‏ لَمَّا كَانَ الْحَجُّ فِيهِ مَدْخَلٌ لِلْمَالِ فِي جَبْرِهِ بِالْهَدْيِ‏,‏ وَالإِطْعَامِ‏:‏ جَازَ أَنْ يَعْمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ قلنا‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ كَذِبٌ مُفْتَرًى وَشَرْعٌ مَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٍّ ثُمَّ قَدْ تَنَاقَضْتُمْ فِيهِ‏;‏ لأَِنَّ الصِّيَامَ فِيهِ مَدْخَلٌ لِلْمَالِ فِي جَبْرِهِ بِالْعِتْقِ‏,‏ وَالإِطْعَامِ، وَلاَ فَرْقَ‏,‏ وَفِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ صَوْمِهِ‏,‏ فَأَجِيزُوا لِذَلِكَ أَنْ يَعْمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يُجِيزُونَ أَنْ يُجَاهِدَ الرَّجُلُ عَنْ غَيْرِهِ بِجُعْلٍ‏,‏ وَيُجِيزُونَ الْكَفَّارَةَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَى غَيْرِهَا عَنْهَا‏,‏ وَهُوَ الَّذِي أَكْرَهَهَا‏,‏ فَأَجَازُوا كُلَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُجِزْهُ اللَّهُ تَعَالَى‏,‏ وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام وَمَنَعُوا مِنْ جَوَازِهِ حَيْثُ افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيمٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَدَوِيِّ النَّجَّارِيِّ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لِتَحُجِّي عَنْهُ‏,‏ وَلَيْسَ لأَِحَدٍ بَعْدَهُ‏.‏

وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْكَرِيرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ الأَنْصَارِيِّ‏:‏ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ‏:‏ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَقْوَى عَلَى الْحَجِّ فَقَالَ عليه السلام‏:‏ فَلْتَحُجِّي عَنْهُ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَِحَدٍ بَعْدَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ صَالِحٍ الطَّلْحِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لاَ يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ إلاَّ وَلَدٌ عَنْ وَالِدٍ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَهَذِهِ تَكَاذِيبُ‏,‏ أَوَّلُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهَا مُرْسَلَةٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ‏:‏ وَالأَوَّلُ‏:‏ فِيهِ مَجْهُولاَنِ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمَا وَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيمٍ ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدَوِيُّ وَالآخَرَانِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ وَكَفَى‏;‏ فَكَيْف وَفِيهِ‏:‏ الطَّلْحِيُّ ‏,‏ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْكَرِيرِ ‏,‏ وَمُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ‏,‏ وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُمْ‏,‏ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏,‏ وَهَذَا خَبَرٌ حَرَّفَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ‏;‏ لاَِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏,‏ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ‏:‏ نَعَمْ وَلَك مِثْلُ أَجْرِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ‏:‏ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَدَعَوْتَ غُرَمَاءَهُ لِتَقْضِيَهُمْ أَكَانُوا يَقْبَلُونَ ذَلِكَ مِنْكَ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏;‏ قَالَ‏:‏ فَحُجَّ عَنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ قَابِلٌ مِنْ أَبِيكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْفَضَائِحِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهَا‏;‏ لأَِنَّهُمْ يُجِيزُونَ الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى بِهِ‏,‏ وَأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُ وَلَدِهِ‏;‏ وَهُوَ خِلاَفٌ لِمَا فِي هَذِهِ الآثَارِ فَهِيَ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ وَتَخْصِيصُهُمْ جَوَازَ الْحَجِّ إذَا أَوْصَى بِهِ لاَ يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ‏,‏ وَلاَ يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ‏,‏ وَلاَ يُوجِبُهَا قِيَاسٌ‏;‏ لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَجُوزُ إلاَّ فِيمَا يَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ بِلاَ خِلاَفٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ لاَ يَصُومَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلاَ يَحُجَّنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَفْلَحَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ لاَ يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ هَذَا صَحِيحٌ عنهما‏,‏ وَأَنْتُمْ مُخَالِفُونَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ‏;‏ لاَِنَّكُمْ تُجِيزُونَ الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَالْقَاسِمِ وَمَا وَجَدْنَا قَوْلَهُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏;‏ وَصَحَّ قَوْلُنَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ‏.‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ قَالَ‏:‏ قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ إنَّ أُمِّي حَجَّتْ وَلَمْ تَعْتَمِرْ‏,‏ أَفَأَعْتَمِرُ عَنْهَا قَالَ‏:‏ نَعَمْ ‏;‏ قال أبو محمد فَهَذَا لاَ تَخْصِيصَ فِيهِ لِمَيِّتٍ دُونَ حَيٍّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ دَاوُد، أَنَّهُ قَالَ‏,‏ قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ‏,‏ لاَِيِّهِمَا الأَجْرُ أَلِلْحَاجِّ أَمْ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَقَالَ سَعِيدٌ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاسِعٌ لَهُمَا جَمِيعًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ صَدَقَ سَعِيدٌ رحمه الله‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أُمِّ مُحِبَّةَ أَنَّهَا نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْكَعْبَةِ فَمَشَتْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ عَقَبَةَ الْبَطْنِ عَجَزَتْ فَرَكِبَتْ ثُمَّ أَتَتْ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ‏:‏ أَتَسْتَطِيعِينَ أَنْ تَحُجِّي قَابِلاً فَإِذَا انْتَهَيْت إلَى الْمَكَانِ الَّذِي رَكِبَتْ فِيهِ فَتَمْشِي مَا رَكِبْت قَالَتْ‏:‏ لاَ‏,‏ قَالَ لَهَا‏:‏ فَهَلْ لَك ابْنَةٌ تَمْشِي عَنْك قَالَتْ‏:‏ لِي ابْنَتَانِ وَلَكِنَّهُمَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْ ذَلِكَ قَالَ‏:‏ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا مِثْلَهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذِهِ هِيَ الَّتِي عَوَّلُوا عَلَى رِوَايَتِهَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي أَمْرِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ ابْتَاعَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ‏,‏ وَتَرَكُوا فِيهِ فِعْلَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَكَانَتْ حُجَّةً هُنَالِكَ إذْ لَمْ تُوَافِقْ النُّصُوصَ‏,‏ وَلَمْ تَكُنْ حُجَّةً، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذْ وَافَقَتْ النُّصُوصَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا حَفْصُ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ‏:‏ أَنَّهُ يُجَهِّزُ رَجُلاً بِنَفَقَتِهِ فَيَحُجُّ عَنْهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ‏:‏ رَمَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ الْجِمَارَ‏,‏ وَطَافَ عَنْهُ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَكَانَ أَبُوهُ مَرِيضًا‏.‏

وَعَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ عَنْ أَبِيهِ بِأَمْرِ أَبِيهِ‏.‏

وَعَنْ مُجَاهِدٍ مَنْ حَجَّ عَنْ رَجُلٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ‏.‏

وَعَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ فَعَجَزَ قَالَ‏:‏ يَمْشِي عَنْهُ بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِهِ‏,‏ وَأَنَّهُ رَأَى الرَّمْيَ عَنْ الْمَرِيضِ لِلْجِمَارِ‏.‏

فَهَؤُلاَءِ‏:‏ ابْنُ عَبَّاسٍ‏,‏ وَعَلِيٌّ‏,‏ وَعَطَاءٌ‏,‏ وَطَاوُسٌ‏,‏ وَمُجَاهِدٌ‏,‏ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ‏:‏ وَرُوِيَ أَيْضًا‏:‏ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَنَا هَاهُنَا فَلَمْ يُوجِبْ الْحَجَّ عَلَى مَنْ وَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَهُوَ عَاجِزٌ‏,‏ وَلاَ عَنْ الْمَيِّتِ إلاَّ أَنْ يُوصِيَ‏:‏ سَلَفًا أَصْلاً مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏,‏ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْجُمْهُورَ مِنْ الْعُلَمَاءِ‏;‏ وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ‏,‏ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى‏,‏ وَأَحْمَدُ‏,‏ وَإِسْحَاقُ‏.‏